

تشكل تقنية البلوكشين أسلوبًا مبتكرًا في مجال تقنيات السجلات الموزعة، إذ تتيح مشاركة وتخزين البيانات والمعلومات بأمان ضمن كتل مترابطة. وقد ازداد انتشار هذه التقنية الناشئة بشكل ملحوظ بفضل مزاياها الأمنية المتقدمة، وشفافيتها، وقدرتها على تعزيز الثقة بين المشاركين. وعلى الرغم من أن العملات المشفرة تعتمد غالبًا على البلوكشين العامة، إلا أن هناك منظومة متنوعة من أنواع البلوكشين، تخدم كل منها أغراضًا متخصصة. تتناول هذه المقالة نماذج اتحاد البلوكشين، وهي فئة فريدة تربط بين الشبكات الخاصة والعامة للبلوكشين، عبر استعراض ميزاتها، ومزاياها، وحدودها، وتطبيقاتها العملية.
اتحاد البلوكشين، أو ما يُعرف بالبلوكشين الاتحادي، هو بنية شبكية شبه لامركزية تُدار وتُشرف عليها عدة منظمات أو مؤسسات تعمل لتحقيق هدف مشترك. يمثل هذا النوع حلاً وسيطًا بين شبكات البلوكشين الخاصة بالكامل والعامة بالكامل، إذ يجمع بين أهم عناصر كل نموذج.
يتشكل اتحاد البلوكشين عندما تلتقي عدة منظمات على أهداف مشتركة وتقرر التعاون عبر بنية تحتية موحدة. ويتيح هذا النظام للأعضاء الاحتفاظ بقاعدة بيانات ومخزن معلومات مشترك، مع الحفاظ على كفاءة سير العمل، وقابلية التوسع، ومشاركة البيانات الآمنة، وتحقيق المساءلة المؤسسية. وعلى خلاف الشبكات العامة التي تسمح بالوصول المفتوح، تعمل اتحادات البلوكشين كنظم مصرح بها، حيث يحصل المستخدمون المعتمدون فقط على حق الوصول. وهذا يميزها عن الشبكات الخاصة التي تسيطر عليها جهة واحدة فقط؛ ففي اتحادات البلوكشين، يحظى كل عضو بسلطة وصلاحية اتخاذ القرار بشكل متساوٍ.
يدير كل عضو في الاتحاد عقدة منفصلة داخل الشبكة، ويمثل طرفًا يمتلك حقوقًا ومسؤوليات محددة. ويتطلب ضم أو استبعاد أي عضو موافقة جماعية من أصحاب المصلحة الحاليين. وبينما يدير كل كيان عقدته أو جزءه الخاص من البلوكشين بشكل مستقل، تتيح بنية الاتحاد الوصول وتبادل وتوزيع البيانات بسلاسة بين جميع المشاركين المعتمدين.
تجمع شبكات اتحاد البلوكشين بين سمات الشبكات العامة والخاصة، لتنشئ إطارًا تشغيليًا فريدًا.
البنية شبه اللامركزية: تشغل نماذج اتحاد البلوكشين موقعًا وسطًا على مقياس المركزية. ففي حين تدار البلوكشين الخاصة بشكل مركزي تام، وتعمل العامة بلامركزية كاملة، تحقق اتحادات البلوكشين توازنًا يُمَكّن الأعضاء من إدارة الشبكة بشكل جماعي. كما يُسهم قلة عدد العقد في كفاءة وسرعة تحقيق التوافق.
خصوصية البيانات وأمانها: تتيح منصات اتحاد البلوكشين وصولاً محدودًا للأعضاء المعتمدين فقط، مما يحمي البيانات من التلاعب ويضمن أنها متاحة فقط للمشاركين الموثوقين. وفي حال حدوث خرق أمني، يُسهِّل عدد الأعضاء المحدود التحقيق وتحديد مصدر المشكلة.
سرعة العمليات: بفضل بنية العقد المبسطة، توفر شبكات اتحاد البلوكشين سرعة أعلى في معالجة العمليات مقارنة بالشبكات الخاصة والعامة، حيث يقل عدد نقاط التحقق ويقل ازدحام الشبكة، ما يسرع تأكيد العمليات.
آليات التوافق: تستخدم نماذج الاتحاد آليات توافق خاصة تلائم بنيتها شبه اللامركزية. وتشمل عملية "التوافق المشترك" تحقق العقد الموثوقة بشكل جماعي من العمليات. من أبرز آليات التوافق: إثبات السلطة (Proof of Authority)، إثبات التصويت (Proof-of-Vote)، التسامح البيزنطي العملي مع الأعطال (Practical Byzantine Fault Tolerance)، وRaft. وتعمل العقود الذكية على أتمتة تنفيذ العمليات، ما يضمن التوافق والكفاءة بين جميع أعضاء الاتحاد.
مرونة التحكم في البيانات: بينما تفرض البلوكشين العامة الثبات وتمنع التعديل، توفر اتحادات البلوكشين مرونة أكبر، حيث يُسمح بتعديل البيانات بعد توافق الأعضاء، مع الحفاظ على الشفافية وإمكانية تحديث البيانات وفق الحاجة.
تمنح الطبيعة الهجينة لاتحادات البلوكشين المنظمات المشاركة مجموعة من المزايا الجوهرية.
تعزيز حماية الخصوصية: يضمن نظام العضوية المحدودة عدم كشف البيانات لغير المخولين، مما يعزز خصوصية البيانات وأمنها. ويُعزز ذلك الثقة بين أعضاء الاتحاد، حيث يتمتع كل كيان بحصة متساوية في صنع القرار.
كفاءة التكلفة: تلغي اتحادات البلوكشين الرسوم على الخدمات والمعاملات الشائعة في أنواع البلوكشين الأخرى، وتستفيد المؤسسات الصغيرة خاصة من انخفاض تكاليف التشغيل، ما يجعل التقنية أكثر جدوى للمنشآت ذات الموارد المحدودة.
قابلية التوسع العالية: بفضل العدد القليل من العقد مقارنة بالآلاف في الشبكات العامة، تعاني اتحادات البلوكشين من ازدحام أقل، ما يرفع من قابلية التوسع ويدعم النمو الفعال مع تطور احتياجات الأعضاء.
مرونة التشغيل: تظهر اتحادات البلوكشين قدرة عالية على التكيف، إذ يتيح التوافق المشترك تعديل بروتوكولات الشبكة بسرعة أكبر من الشبكات العامة، حيث يُسرع العدد القليل من العقد تنفيذ التغييرات.
خفض استهلاك الطاقة: تخصص شبكات الاتحاد الطاقة للعمليات الروتينية بدلاً من التعدين المكثف، إذ تلغي الحاجة إلى التعدين بفضل آليات التوافق، ما يخفض استهلاك الطاقة ويقلل الأثر البيئي.
رغم مزاياها، تبرز بعض التحديات والقيود في هياكل اتحاد البلوكشين يجب أن تؤخذ في الاعتبار.
قابلية التمركز: يرفع العدد المحدود للأعضاء من قابلية التمركز، ويقلل من الشفافية مقارنة بالشبكات العامة. كما أن قلة المشاركين تزيد من خطر هجمات 51%، إذ يمكن للأغلبية تنفيذ تغييرات غير مصرح بها.
تعقيد التنفيذ: يتطلب تأسيس اتحاد بلوكشين تنسيقًا وجهدًا كبيرين، إذ تواجه عملية جمع عدة منظمات للتخطيط والتنفيذ تحديات متعددة، ويستلزم توحيد الأهداف والمتطلبات التقنية والحوكمة وقتًا وموارد كبيرة.
الاعتماد على التعاون: يرتبط نجاح اتحاد البلوكشين بمدى التزام الأعضاء بالتعاون. ففي حال عدم تعاون بعضهم أو ضعف أدائهم، قد تتعرض الشبكة للفشل، ما يشكل نقطة ضعف تتجاوز الجانب التقني.
تشكل نماذج اتحاد البلوكشين فئة متطورة من التقنية وتواصل تطورها من خلال الابتكار المستمر، ويبرز العديد من التطبيقات العملية في قطاعات متنوعة.
Hyperledger: أطلقته مؤسسة Linux Foundation، ويعد Hyperledger منصة مفتوحة المصدر لاتحادات البلوكشين، تقدم أدوات وأطر شاملة لتطوير تطبيقات البلوكشين. توسع الإطار ليخدم شركات من قطاعات مختلفة، مع إدارة أولية من قبل الأعضاء المؤسسين عبر هياكل فنية وتنظيمية.
R3: تأسس من قبل بنوك كبرى مثل Goldman Sachs وCredit Suisse وJP Morgan، وطور اتحاد R3 شبكة Corda المتخصصة للمعاملات المالية الآمنة والشفافة. توسع الاتحاد ليشمل مؤسسات مالية متعددة تتعاون على حلول البلوكشين في قطاع الخدمات المالية.
Energy Web Foundation: أطلقت المؤسسة Energy Web Chain، وهي منصة مفتوحة المصدر لاتحاد البلوكشين موجهة لقطاع الطاقة، وتلبي متطلبات هذا القطاع التنظيمية والتشغيلية والسوقية.
Enterprise Ethereum Alliance: تأسس بتحالف عدة أعضاء، ويركز EEA على تطوير نسخ مخصصة من Ethereum للمؤسسات، ويضم مشاركين رئيسيين مثل Accenture وJ.P. Morgan وMicrosoft، لتكييف التقنية مع بيئات الشركات كاتحاد بلوكشين.
Global Shipping Business Network: أطلق مشغلو النقل البحري والموانئ GSBN، اتحاد بلوكشين لسلاسل التوريد، يوفر حلولًا متكاملة تتيح تبادل المعلومات بكفاءة عبر السجلات الموزعة على شبكة موحدة.
تعتبر نماذج اتحاد البلوكشين ابتكارًا مهمًا في تقنيات السجلات الموزعة، إذ تسد الفجوة بين الشبكات الخاصة والعامة للبلوكشين. ويوفر هذا الحل للمؤسسات بيئة تعاونية مع الحفاظ على الأمان والكفاءة والحوكمة المشتركة. وتسهم البنية التعاونية في تعزيز تبادل البيانات وحل المشكلات الجماعي وتقليل الوقت والتكاليف التشغيلية.
وقد أثبتت اتحادات البلوكشين فعاليتها في تطبيقات واقعية عبر قطاعات متنوعة، كقطاع الخدمات المالية والطاقة وإدارة سلاسل التوريد. ومع تزايد اهتمام المؤسسات بحلول البلوكشين التعاونية، ستتطور هذه الشبكات وتواصل نضجها. ويبدو مستقبل هذه التقنية واعدًا، مع استمرار تطويرها لتجاوز التحديات الحالية وتوسيع نطاق استخدامها، ما يؤهلها للعب دور محوري في مستقبل تقنيات السجلات الموزعة على مستوى المؤسسات، وتقديم التوازن المطلوب لإدارة البيانات بأمان وكفاءة وتعاون.
اتحاد البلوكشين هو شبكة تعاونية تدير فيها عدة منظمات البلوكشين بشكل مشترك، مع تقاسم صلاحيات الإدارة واتخاذ القرار لتحقيق أهداف مشتركة بكفاءة وأمان.
البلوكشين الخاصة تديرها جهة واحدة فقط، بينما تدار اتحادات البلوكشين من قبل عدة كيانات، ما يحقق لامركزية أكبر وحوكمة مشتركة.
أنواع شبكات البلوكشين هي: البلوكشين العامة، والخاصة، والهجينة، واتحاد البلوكشين.
ضعف اللامركزية، احتمالية ظهور مشكلات في الحوكمة، انخفاض الشفافية، تحديات التوسع، وبطء العمليات مقارنة بالشبكات العامة.











